pink colorArtboard 5
الكل يرويها

جبل النور - غار حراء

ها هو أخيرا على فراش نومه! اضطجع على شقه الأيمن واستقبل الكعبة، كان قد صلى السنّة ودعا الله لوالديه ولنفسه والأحباب. لقد انتهى اليوم وها هو الليل يوغل. بعد الأذكار أغمض عينيه وبدأ كل شيء حوله يصمت فعلى صوت أنفاسه وارتفع إدراكه بكل حواسه قبل أن يجد نفسه هناك، لا يدرك إن كان حلما أم خيالا، لكنه يرى تلك القرية؟ في زمن ما؟ ويسمع صوتا بعيدا قريبا يقول (إن أول بيت وضع للناس....)1 نعم هذه أم القرى وتلك الكعبة.. يجد نفسه بين الطائفين (فاجعل أفئدة من الناس...)2 ذلك الشاذروان، ذلك الركن.. يرى حجارة الكعبة ،تحت كسوتها المهيبة، وكلها نور! ولكن بينها حجارة لا يدري كيف علم أنها من جبل النور، حيث الغار، غار حراء! إليك في عليائك يا جبل النور، يرسل التحيات، وترسله الريح، فهو هناك وإن كان هنا! تسعى به قدماه على تلك الطريق، يمشي بين شعاب مكة، ذلك ثبير ومنى، لكنه مضى إلى شمال شرقي مكة، صوب جبل النور، هذه طريق النبي صلى الله عليه وسلم حين ودع أهله وترك قومه وما يعبدون من دون الله، اعتزلهم، كانت خطاه تبعده عن الكعبة وتقربه من ربها الأحد الصمد، وتلك الحجارة تنطق: (السلام عليك يا رسول الله)3. هو الشوق؟ هي دعوة إبراهيم، هي رحمة الله عز وجل؟ (رب اجعل هذا بلدا آمنا)4 لقد كان يومه صعبا، مليئا بمغريات الحياة وتحدياتها، وأصعب تلك التحديات حيث وجد نفسه تدعوه إلى ما لا يرضى، والهوى يأخذه إلى حيث الكذب والزخرف لكنه صمد يومه ذلك ما استطاع، واستغفر كثيرا بعد صلاة الجماعة وذرف قلبه الدموع. هل كان في خندق الجهاد الأكبر؟ والدنيا تمنيه بالخير الكثير، تساومه على خلقه ودينه، فلو كذب وخان، ولو اتبع هواه ، ولو مد بصره إلى حرام، ولو كتم شهادة، ولو أخلف الوعد وأكل الربا وشرب الخمر وقرب الزنا، في كل شيء فتنة، حتى ماله وولده، والله يدعوه ليغفر الله، وجد نفسه هناك يمشي على خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم. الطريق إليك حف بالأذى، والوصول إليك يبعث الرضا، تسبح الحصا باسم الله، وتناديه الجبال، سلام أيها الغريب، كيف وجدت الشوق وكيف وجدك؟ واحذر ففي بعض الصبر جفاء، وفي بعض الذلة رفعة. يقول له السحاب، بشراك أظلك غيم الحجاز! تقول له الريح، اركض فهنا ركض البراق، وضع قدمك حيث يقع بصرك. لقد عزم الوصول إلى حراء فهل يبلغ الثريا! يمشي في طرقات مكة وعيناه تجاه جبل النور، تدور الطريق وبوصلة روحه تشير إلى جبل النور، يهرول قليلا ثم يمشي قليلا، يقف يلتقط أنفاسه، ينظر حوله، ينظر صوب السماء، ما أكبر الدنيا، كم من مسلم ومسلمة مشى هذه الخطى المباركة، كأن كل خطوة يرتقي بها درجة في السماء، هذا ما شعر به! أنه ما زال يصعد مذ رأى مكة المكرمة. الجبال حوله تنظر، هي هنا منذ دهر، أتى أناس وذهب أناس وهي شاخصة ماثلة راسية. يشعر بضآلة حجمه كلما رأى أحدها فتحضره آيات الجبال { وَلَا تَمۡشِ فِی ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّكَ لَن تَخۡرِقَ ٱلۡأَرۡضَ وَلَن تَبۡلُغَ ٱلۡجِبَالَ طُولࣰا } [الإسراء: 37] وهل يبلغ أحد الجبال طولا؟ يقول لنفسه. ترك جبال ثبير يمينه، ومضى شمالا. هل حين يصير المرء إلى قمة الجبل يبلغ الجبال طولا؟ هل يهزم الجبل حينها؟ ويثبت علو كعبه؟ ليس هذا مبتغاه، كل ما يريده أن يرى غار حراء. يوغل في الليل والحلم والمسير، يسأل نفسه بعد الوصول كيف العودة؟ تئن قدماه فتداويهما المحبة والشوق. يرى عبر الأزمان بيوتا قديمة ودوابا تسير، ثم مباني وعربات حديثة، تارة ظلام دامس وتارة أنوار الأعمدة الكهربائية تحكي القصة، أن خطى سيرت على هذه الطريق منذ قرون منصرمة، أخرجت الناس من الظلمات المدلهمة والجهل، والاستكبار إلى النور وعبادة الواحد القهار. جبل حراء يقترب، يكبر حتى صار ملء العين والقلب، ذلك الحي الثقافي ومتحف الوحي، كانت أحاسيسه حاضرة، فيسمع كأن كل ما فيه أذن، ويرى كأن كله عين! ها هو سفح الجبل وصارت الدنيا خلفه؛ الأهل، المال، التنافس، الطمع، الزخرف، التفاخر بالأموال والأولاد والسمعة، كل شيء خلفه وليس ثمة شيء أمامه غير الجبل حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحنث قبل البعثة. ماذا ينتظره هناك عند الغار؟ لقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبد وينقطع لله وحده في الغار حتى أتاه اليقين، نزل به جبريل فضمه ضمة .... ثم أطلقه، شعر كأن جسده ينتفض وكاد يصيح (زملوني زملوني، دثروني دثروني)، في ذلك المكان والزمان في الحلم أو الخيال كل الأصوات غارقة وكل الكون سلام إلا ما يعتريه من مشاعر! الجبل المنيف، والسفح الفسيح، هذا يمهد وذا يمنع! حتى أخذا قلب المشتاق، تزل القدم فيثبتها القلب, لقد تصبب عرقا، وتغير لونه، وارتعدت فرائصه على السفح، كيف سيكون على باب الغار، حيث أشرقت الأرض فلم تظلم قط، وفجرت العيون فلم نظمأ أبدا! ذلك ثبير، وطيف إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقد أسلما وتله الجبين، وقد صدق الرؤيا، بعد أن أسكن إبراهيم من ذريته بواد غير ذي زرع. ينظر نحو ثبير النوبي فإذا بصوت يصيح فيه (يا سارية، الجبل). يحس بل يعلم أن لكل حجر في مكة حكاية وأثر، مكة آية الله في أرضه، وقبلته منها، سقفها لعله البيت المعمور؟ وإليها تشد الرحال في كل عام (رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)5، يلبون في الزحام، يطوفون ويبكون، فيعودون كما ولدتهم أمهاتهم! في كل طريق في مكة نور، في كل شربة ماء وطعام آية، مكة ليست غير مكة، وهي أحب الأرض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. يرى البيوت في مكة تقاوم الجبال، لا تترك سهلا إلا ونبتت عليه كالزهرة بين الأشواك، بيوت مكة تشبه الأشجار الوارفة، تراها وتعلم أن جذورها ضاربة في الأرض عميقا. دارت الطريق وانعطفت وفق ما شاءت الجبال والتلال، ولكن المساجد لم تغب عن الطريق من الحرم حتى حراء. رأى مسجد الجن ومقبرة المعلاة ومسجد الإجابة فيم رأى. قد صار سفح جبل النور أمامه، لقد ظن أن بلوغه ها هنا مبلغ الجهد والأمل، لكن أحجار الجبل الملساء تنذر أن صعود الجبل مشقة أخرى. هل يشقى الناس حتى يحظوا بالراحة؟ أم عليهم أن يركنوا للراحة فلا يشقون؟ وحين نقول إن في التعب راحة هل نعني ذلك حقا؟ لقد بلغ في الجهد مبلغا كبيرا يشعر أن هيبة وحضور مكة أنهكه. ولكنه يعلم أنه إن يرتاح ولن يهنأ حتى يبلغ المرام. بدأ يصعد، تارة يرى الدرج الذي بني قديماً ورمم حديثا، وتارة يرى الصخور ولا شيء غيرها، وتارة يرى نفسه تطير على صهوة القاطرة المعلقة التي طالع تصميمها منذ أيام، لقد مشى حتى سفح الجبل وها هو يعرج في سماء الجبل، بين الدرج والصخر والقاطرة، وجسده يشعر برهق الرحلة وروحه تمتلئ بالراحة وقد تركت خلفها الهم والحزن والدنيا، وجاءت في تلك اللحظة التي لم يخترها ولكنها اختارته بفضل الله وحده! ليتلمس الخطى التي أخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور! ويغدو وإيمانه برسو حراء وثبير. يذكر ما قرأ عن العشر الأواخر من رمضان، في ليلة القدر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أربعين عاما، أتاه جبريل عليه السلام في الغار، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله يرتجف بردا من شدة ما لاقاه في الغار ونزول سورة العلق، (فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حتَّى دَخَلَ علَى خَدِيجَةَ، فَقالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حتَّى ذَهَبَ عنْه الرَّوْعُ، فَقالَ: يا خَدِيجَةُ، ما لي؟ وأَخْبَرَهَا الخَبَرَ، وقالَ: قدْ خَشِيتُ علَى نَفْسِي، فَقالَتْ له: كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ)7. تلك الأرض تبتعد مع كل درجة، أو صخرة، أو صعدة للقاطرة المعلقة، وذلك الغار يقترب، ماذا ينتظره هناك؟ أهو كنز أم طعام أم ماذا؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل طعامه ويصعد، يترك أهله ويمضي، يدع المال والدنيا! فماذا ينتظره هناك في الغار؟ يسمع صوت أنفاسه يعلو، يشعر بكل حواسه تحضر بينما يقترب من الغار، فكله عين وكله أذن وكله قلب، ماذا لو سقط من هذا العلو؟ هل تتكسر عظامه على السفح؟ أم يجد نفسه بين فتن الحياة وتنافسها وزخرفها؟ يبتعد عن سفح الجبل فترتعد قدماه (اثبت حراء) عليه أن ينظر إلى الأمام، إلى الأعلى حيث الغار، حيث تحنث النبي صلى الله عليه وسلم ووافاه جبريل فقال له: اقرأ. يبتعد ويصير خفيفا، كلما هبت الريح يتشبث بالجبل، يشعر بضآلة حجمه أكثر كلما صعد أكثر وأشرف على مكة. كانت رحلة الصعود في الجبل صلاة وتأملا وتفكرا وعبادة، كلما ارتقى سبح الله وكبر الله، هل التسبيح على الأرض في دارك آمنا مطمئنا كالتسبيح وأنت تصعد جبلا منيفا تنوشك الريح فيه ويخفق قلبك في الليل خشية السقوط من هذا الارتفاع؟ حتى الجبل الراسي العالي لا يعصم من أمر الله، ولكن الكهف والغار يؤوي ويمنع إذا شاء الله ذلك. الريح من آياته سبحانه، كلما اشتدت ارتعدت القدم والقلب وذكر الله فاطمأنت الأوصال وثبت الجنان. نهار مكة حار، وليلها أكثر اعتدالا. قد تأتي الأمطار نهاية العام الميلادي، وقد يفضل الناس صعود الجبل ليلا، فتراهم نازلين من عند الغار مع شروق الشمس. ألهذا أخذه الحلم أو الخيال ليلا هناك؟ (كَانَ أَوَّلُ مَا بدِئَ بِهِ رَسُولُ الله ﷺ مِنَ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ فِي النَّوْمِ . فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُببَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ،فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ، (وَهُوَ التَّعَبُّدُ ) اللَّيَالِيَ أولاَتِ الْعَدَدِ.)8. بدأ يتقلب في فراش النوم واستقر على ظهره، كاد أن يصحو لكن كأنه يقاوم ذلك، يريد أن يكمل رحلته نحو الغار! الغريب في الأمر أنه لم يسبق له أن كان في مكة معتمرا أو حاجا. لم ير الحجاز قط، فكيف يرى مكة ويبصر معالمها رؤية العالم بها؟ أربعون دقيقة هي المسافة من سفح الجبل حتى غار حراء في قمة الجبل إذ يرتفع 634 مترا عن الأرض، توكل على الله وبدأ صعوده وهو يخشى أن تزل قدم بعد ثبوتها، لقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا لحكمة، فتلك المسافة المادية بين الدار والأهل والأسواق جعلته في معزل عن زخرف الدنيا وخشعت فيه الأصوات فلا يسمع إلا همسا. بلغ نصف المسافة صعودا نحو الغار، اتكأ ونظر حوله، ذلك الحرم ذلك قبيس هناك عرفات ومنى وها هي ثبير، كان منظرا عظيما وربما وافق وقوفه ها هنا وقوفه صلى الله عليه وسلم يوما ما، لم يكن يصعد جبل النور وحده، لقد رأى الناس بكل ألوانهم، رأى الأصفر بعينيه الجاحظتين، رأى الهندي الأسمر، رأى القوقازي بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر، رأى الإفريقي بلونه الأسود وقامته الممتدة، وبين ذلك كثير، سمع لغات عرف بعضها من عربية بلهجات مختلفة، سمع: الربع، بالزاف، يخويا، ابضاي، زول، هدرا! سمع انجليزية وسواحيلية وفرنسية واسبانية وروسية ولغات أخر لعلها صينية أو يابانية، وفاحت عطور مختلفة لكل منها شعبه وثقافته، كلهم جاء يتلمس خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس صعود جبل النور فرضا وليس من مناسك الحج، لكنه من المعلوم عنه صلى الله عليه وسلم قبل وبعد البعثة النبوية. ماذا ينتظره في غار حراء، وهو يعرج في جبل النور؟ (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) موحدا لله عز وجل (وبالوالدين إحسانا)9 بارا بأهله، ماذا عساه يرى هناك وهو على خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم، كأن الفجر يطلع والليل يدبر، كأن النور يغمر روحه، أحس بالأمن والرهبة معا، بالرجاء والخوف، بالبرد والدفء وقد صار أمام الغار تماما! أو 5 أشخاص، ذلك كل ما يتسع له الغار، لكنه في العشر الأواخر من رمضان ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار، حين وافاه جبريل عليه السلام وقال له: اقرأ. وكررها ثلاثا! حتى كانت لحظة سريان المقروء (اقرأ باسم ربك الذي خلق..) وارتجف قلب النبي الكريم، ورجع بالوحي وبهذا الناموس للناس، فإذا العالم يخرج من ضيق الغار إلى سعة العلم والنور، وإذا الأرض مسجدا وطهورا، وإذا النبي رحمةً للعالمين، يكمل الله به الدين ويتم به النعمة، ويرضى بإسلامه ديناً. لكل شيء عهده الأول، كلمة، خطوة، لقاء، وداع، وتلك اللحظات تختلف عن غيرها إذ تبقى معنا فترسم ملامح ترقبنا للمستقبل، ما زال يذكر أول عهده بصلاة الجماعة صبيا حين ذهب رفقة أبيه إلى المسجد، (ساووا الصفوف وسدوا الخلل) (آمين) وهو يسمع المصلين في التأمين بعد الفاتحة، صلاة الجمعة، صلاة العيد، فكيف بها في الحرم المكي (إن أول بيت وضع للناس)1. لا يدري ماذا سيرى في غار حراء لكنه يعلم أن قلبه هناك بين شعاب مكة وجبالها، عند أساس الكعبة وأركانها وحجرها وجدرها وشاذروانها، حيث البداية وحيث الفتح، حيث سعت هاجر وزمزم الماء، حيث عين زبيدة وقنواتها ووصول ماء محطات التحلية، حيث ثبير ومزدلفة وحيث غار حراء من جبل النور. ها هو يرفع قدمه ليدخل غار حراء، سرت نسمة باردة على وجهه وقبل أن يضع قدمه تنبه وجد نفسه على فراشه وآذان الفجر يسري في الآفاق، ذكر الله وردد الآذان، وقام فتوضأ ومشى تجاه المسجد وهو يرى مكة ومكة لا تراه! حين يشرب الماء يرى زمزم وعين زبيدة وبرج تحلية المياه، وحين يصعد درجا يرى جبل النور! يتمنى أن يجد نفسه محرما ملبيا يطوف ويسعى، في مكة. كان الحجاز ملء عينيه وهو يرى مكة بجبالها راسية والحرم العامر بالعابدين، يرى ثبيرا وحراء والمشاعر، كأن لكل مسجد في الأرض نسبة للحرمين، وكأن في كل محراب شيء من غار حراء وجبل النور، كلما اعتلى خطيب المنبر، ظل يرى درج جبل النور، وما رأى جبلا أو تلا إلا وظنه ثبيرا أو حراء. ظل سارية بعدها أياما لا يدري كيف أصبح وكيف نام، سأله زميله أحمد: مالك يا سارية، الحاصل عليك شنو يا زول؟ لم يملك سارية جوابا يشفي غليل أحمد. فقد صار يشعر أن كل شيء حوله بعيد كأن بورتسودان لم تعد مدينته التي ولد وترعرع فيها. يذهب للنوم وهو يمني نفسه بمكة، بالحرم، وجبل النور وغار حراء، فيستيقظ من صبحه متكدرا لا يشرح صدره إلا قرآن الفجر وصلاة الجماعة. وبقيت دعوته عقب الفريضة والسنة أن يسخر الله له العمرة أو الحج. نحيا في أماكن وتحيا أماكن فينا، ولا غرو أن مكة في قلب كل مسلم وفي قصده (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)10. 1 آل عمران، من الآية 96. 2 سورة إبراهيم، من الآية 37. 3 عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن) رواه مسلم. 4 سورة البقرة، من الآية 126. 5 سورة الحج، من الآية 27. 6 رواه البخاري. 7 رواه البخاري. 8 رواه مسلم. 9 سورة الإسراء، من الآية 23. 10 سورة آل عمران، من الآية 97.

العودة إلى معلم جبل النور